Sign In
خطاب الرِّحلة في الأدب العُماني: مُقاربات بَينيَّة
نبــــذة
يعدّ الخطاب الرّحليّ في الأدب العماني خطابًا مائزًا له خصائصه الفنيّة والحضارية؛ لذا فهو خطاب جدير بالمقاربة والدّرس من حيث كونه يتجلَّى في تمظهرات نوعية مختلفة، تقوم العلاقة بينها على تمثّل قيم الحوارية وتعدّد الأصوات وتباين اللهجات وتنوّع الأنساق الثقافية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تفتحه لنا ثيمة السّفر أو الارتحال في حدّ ذاتها من أبواب ومداخل تُلقِي بنا في فضاءات الدهشة والغرابة والاستكشاف والمعرفة، سواء كانت الرّحلة مُتخيّلة أو حقيقيّة. وهذا ما ينعكس في نصوص الرحلة المنتشرة في مُدوَّنة الأدب العُمانيّ القديم والحديث.
في هذا الإطار، نزعم أنّ مقاربة خطاب الرّحلة تُعدّ واحدة من الدراسات المعرفية والمباحث النقدية والثقافية والحضارية التي يمكن رصدها وتحليلها من منظورات مختلفة في مُدوّنة الأدب العُماني؛ نظرًا لكون هذا الأدب -على اختلافه وتنوّعه- قد احتفى بمتون الرّحلات التّسجيليّة والاستكشافيّة في مناسبات متعدّدة، وما ذلك بغريب. فالرّحلة قرينة الإنسان ومجاله الرّحب الذي من خلاله يستكشف ما حوله ويتعرّف عليه.
ينهض "الخطاب الرّحليّ" على إستراتيجيات الوصف والسرد والحوار ومُساءلة الذات وتقصِّي فجوات التاريخ وسرد البلدان ووصف سلوكات البشر وعاداتهم وتقاليدهم، سردًا تسجيليّا أو انطباعيّا، يرتسم في مخيلتنا عند قراءة كلّ حكاية أو مرويّة يُنجزها كاتب الرحلة أو راويها (الرحّالة)، في شكل خطاب يُعدّ نمطًا من أنماط الكتابة التّخييليّة- الاستكشافية، فيرتقي بنا تارة إلى مصاف التأمّلات والذّكريات وسرد اليوميّات، أو يذهب بنا تارة أخرى صَوْب سرد الوقائع، وتتبّع الحوادث التاريخية والأحداث الجِسام التي تُلِمّ بتحوّلات المجتمعات وصيرورتها ما بين صعود وهبوط، غالب ومغلوب، سواء على شاكلة "رحلات ابن بطوطة" أو "رحلة ابن جبير" أو "رحلة جلجامش"، أو غيرها من نصوص تقدّم لنا تجارب سردية ومعرفية، وصفية أو تأمّلية، جغرافية أو تاريخية، جديرة بالدرس والتحليل والتأويل.
من هذا المنطلق، ارتأينا في قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الشرقية، أن يكون "الخطاب الرّحلي في الأدب العُماني: مقاربات بينيّة" المحور الرئيس لمؤتمرنا الأول؛ إذ لفت أنظارنا ندرة الدّراسات الأدبية والنقديّة العربيّة الجديدة في هذا المجال، خصوصًا الدراسات ذات المقاربات البينيّة المنفتحة على حقل العلوم الإنسانية الرحب. ولعلّ في هذا ما يؤكّد لنا أنّ مجال البحث في هذا الموضوع لا يزال أرضًا بِكرًا غير مطروقة، لم يتداولها الدّارسون المُحدَثون بما هي به جديرة. وغايتنا، هنا، أن يكشف الباحثون المُعاصرون عن حضور هذا الخطاب الرّحليّ في المنجز الأدبيّ العُمانيّ في مختلف أجناسه الأدبية، وأن يتقصّوا أبعاده الإنسانية والفكرية والحضارية التي تحيط بأسفار الذّات المُرتحِلة شرقًا وغربًا، وأن يُحلِّلوا ويُؤوِّلوا دلالاته اللغوية والأدبية والنّفسيّة والاجتماعية والتاريخيّة والجغرافية والحضارية والأنثروبولوجية والاستشراقية، وفق سياقات إنتاجه ومرجعيّات بزوغه وتحوّلاته.